فصل: 2- طريقته في التفسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الواضح في علوم القرآن



.2- طريقته في التفسير:

يفسّر القرآن الكريم بعبارة سهلة وجيزة، ويجمع آيات الموضوع الواحد، وهو يستعين على تفسير القرآن بالقرآن أولا، ثم يسرد الأحاديث المتعلّقة بالآية منسوبة إلى مخرجيها، وبيان درجة كل حديث غالبا- إلا ما كان في الصحيحين فلا يذكر له درجة لأنه صحيح كله- ثم يورد أقوال الصحابة، والتابعين أحيانا، وقلّ أن يفسّر كلمات الآيات إلا أثناء التفسير.

.3- خصائص تفسيره:

أ- لا يعنى بتفسير الكلمات مستقلة كما يفعل الإمام الطبري، بل يذكرها مفسرة أثناء تفسيره.
ب- لا يعرض للقراءات المختلفة أثناء التفسير كذلك.
ج- يفسّر القرآن بالقرآن، ثم بالسّنة، وأقوال الصحابة والتابعين، ولا يستعين بأقوال علماء العربية في تفسيره.
د- ينسب الآيات- أثناء تفسيره- إلى سورها، والأحاديث إلى مخرجيها، ويشير إلى ما كان ضعيفا أو منكرا منها.
هـ- لا يكاد يعرض للإسرائيليات أثناء تفسيره، فضلا عن الاستدلال بها، وتلك مزية له.
ويرجّح بعض الأقوال على بعض أحيانا، وقد يعرض لبعض الخلافات الفقهية بإيجاز.

.4- وفاته:

قال فيه تلميذه شهاب الدين بن حجّي: وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه.
وقد كفّ بصره آخر عمره، وتوفّي بدمشق في خمس من شعبان (772 هـ)، ودفن بمقبرة الصّوفية عند شيخه ابن تيمية، رحمه الله تعالى.

.الباب العاشر ترجمة القرآن الكريم:

الفصل الأول: الحكمة من إنزال القرآن باللغة العربية، ومعنى الترجمة لغة واصطلاحا.
الفصل الثاني: الفروق بين الترجمة والتفسير.
الفصل الثالث: حكم الترجمة تفصيلا.
أسباب استحالة الترجمة وبيان حرمتها.
حكم القراءة بما يزعم أنها ترجمة.
الفصل الرابع: النتائج الخطيرة المترتبة على الترجمة.
ترجمة تفسير القرآن تغني عن الترجمة المزعومة.

.الفصل الأول الحكمة من إنزال القرآن باللغة العربية- معنى الترجمة:

.تمهيد:

البحث في إمكانية ترجمة القرآن الكريم ليس أمرا نظريا أو افتراضيا، وإنما هو موضوع واقعي شغل العلماء في كثير من البلاد الإسلامية منذ مطلع هذا القرن، ولا يزال إلى اليوم بحثا فكريا هاما وخطيرا، يحتاج إلى دراسة هادئة وواضحة، تكشف عن دوافعه ومراميه، وتوجهه الوجهة البناءة الصحيحة.
وخاصة بعد أن توضّح لكل مسلم غيور على قرآنه ودعوته، أن هذه الفكرة إنما أثارها أعداء الإسلام من المستشرقين والمبشرين؛ لتمزيق أوصال العالم الإسلامي، وتشويه مبادئ الإسلام ومعانيه.
وظهرت في العالم ترجمات كثيرة، وبلغات متعددة شرقية وغربية، وزعم الذين قاموا بها أنهم نقلوا القرآن الكريم من اللغة العربية إلى هذه اللغات، فجاءت مليئة بالأخطاء الفاحشة، بعيدة عن تحقيق مقاصد النص العربي بعد الأرض عن السماء.
ومهمتنا في هذا البحث تتركز في ذكر الحكمة من إنزال القرآن الكريم باللغة العربية وفي الأمة العربية وإيضاح معنى الترجمة، وأسباب استحالتها، وبيان حكمها الشرعي، والنتائج الخطيرة المترتبة عليها، وما يغني عنها، والله ولي التوفيق.

.أولا: الحكمة من إنزال القرآن الكريم باللغة العربية:

اصطفى الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليكون الرسول الخاتم بين يدي الساعة، واختار الله قومه العرب ليكونوا حملة الرسالة ودعاة الإسلام إلى الإنسانية جمعاء، وكانت الأمة العربية عند انبثاق فجر الإسلام تعيش جاهلية جهلاء في معتقداتها وعاداتها وحروبها، ولكنّها وصلت إلى حضارة لغوية متميزة، تجعلها أهلا لنزول الوحي الإلهي المعجز بلسانها، قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4].
ومن هنا كانت معجزة الرسول الكبرى القرآن الكريم، من جنس ما اشتهر به قومه من الفصاحة والبلاغة، فجاء يتحدّاهم في نفيس بضاعتهم، وأبرز أسباب شهرتهم وتفوّقهم. ونستطيع أن نحدّد الحكمة من اختيار إنزال القرآن الكريم باللّغة العربية بأمرين:
الأول: ما تتمتع به اللغة العربية من مقوّمات اللغات الحيّة وعناصر قوّتها واستمرارها، وذلك من حيث وفرة مفرداتها بالأصالة والاشتقاق، أو بالحقيقة والمجاز. أو من حيث قبولها للتطور والتقدّم الحضاري، أو من حيث مرونة أساليبها، وصلاحيتها لكلّ ما يراد منها، أو من حيث فصاحة ألفاظها وبلاغة تراكيبها.
الثاني: لو تنوّع النظم المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسب اختلاف ألسنة الأمم، لأدى هذا إلى الاختلاف والتنازع، ولتطرق التحريف إلى الكتاب المنزل، بل يقرب من المحال أن يتّحد هذا المنزل مع تعدّد اللغات، وتنوع اللهجات، وتعدّد الخصائص والدلالات، بالنسبة لاستنباط الأحكام، ورسم المنهج، ومعرفة الحدود، وإحكام جميع العبادات والتشريعات.
فالحمد لله على إزالة هذا التناكر والتدابر، باختيار اللغة العربية الراقية، لتنال شرف نزول الوحي الإلهيّ بها، ولترتقي وحدها إلى تحمّل إعجازه الذي لا يتسع له غيرها، وإنها لمسئولية وفخار للأمة صاحبة اللغة واللسان، حدّدها الله سبحانه بقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} [الزخرف: 44].

.ثانيا: معنى الترجمة لغة وشرعا:

.أ-(معنى الترجمة لغة:)

للترجمة في اللغة أربعة معان:
1- تبليغ الكلام لمن لم يبلغه، ومنه قول الشاعر:
إنّ الثمانين- وبلّغتها- ** قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

2- تفسير الكلام بلغته التي جاء بها، ومنه ما قيل في عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إنه ترجمان القرآن.
3- تفسير الكلام بلغة غير لغته. وقد جاء في لسان العرب والقاموس: أن الترجمان هو المفسر للكلام. وقال شارح القاموس ما نصّه: وقد ترجم عنه وترجمه إذا فسّر كلامه بلسان آخر.
4- نقل الكلام من لغة إلى أخرى، قال في لسان العرب: الترجمان- بالضم والفتح- هو الذي يترجم الكلام، أي ينقله من لغة إلى أخرى. ولكون هذه المعاني الأربعة فيها بيان للشيء المراد ترجمته، جاز على سبيل التوسع إطلاق الترجمة على كل ما فيه بيان مما عدا هذه الأربعة، فقيل: ترجم لهذا الباب بكذا أي عنون له، وترجم لفلان أي بيّن تاريخه، وترجمت حياته أي بين ما كان فيها... إلخ.

.ب- أما الترجمة في العرف والاصطلاح:

فهي التعبير عن معنى كلام في لغة بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده.
وقيل: هي نقل الكلام من لغة إلى أخرى عن طريق التدرج من الكلمات الجزئية إلى الجمل والمعاني الكلية.
ونخرج من هذا التعريف الاصطلاحي بالملاحظات التالية:
1- الترجمة نقل للكلام، فبينما يكون الكلام في لغة من اللغات، يتحول عن طريق الترجمة إلى لغة أخرى.
2- يشترط في الترجمة الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده، ولذلك يتم فيها استيفاء الكلام المترجم كلمة كلمة، والملاءمة بينها وبين المعنى الأصلي للنص.
3- انحصر معنى الترجمة عرفا واصطلاحا في المعنى الرابع من معانيها اللغوية، وهو نقل الكلام من لغة إلى أخرى.
4- يفهم من الترجمة أنها كالأصل تقوم مقامه وتأخذ اسمه.

.تقسيم الترجمة:

وتنقسم الترجمة بهذا المعنى العرفي إلى قسمين:
أولهما: الترجمة الحرفية: وتكون بنقل كل كلمة عربية إلى نظائرها من اللغة المترجم إليها، مع مراعاة النظم والترتيب في الجملة، ودون النظر إلى المعنى، وتسمى الترجمة اللفظية أو المساوية.
ثانيهما: الترجمة المعنوية: وتكون بأن يلم المترجم بمعنى الجملة العربية، ثم يصوغه في جملة من اللغة الأخرى، ودون أن يقيد نفسه بترتيب الكلمات أو مساواتها كما في الأصل. وتسمى الترجمة التفسيرية.
وإذا كانت الترجمة الحرفية مستحيلة، لوجود الاختلافات الكبيرة بين اللغات من حيث ترتيب الجملة، وعدم توفر المفردات المتقابلة المساوية. فإن الترجمة المعنوية أيضا متعذرة ويدخلها خلل واضح، ونسوق إثبات ذلك المثالين التاليين:
المثال الأول: ما صنعه (ماكس هينج)- مترجم القرآن إلى اللغة الألمانية- في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] حيث ترجم كلمة الإبل بالسحاب.
وهو أحد المعاني التي حملت عليها الآية، والجمهور يفسّرون الإبل بالحيوان المعروف، وهو المتبادر، ولا داعي للتأويل، والخلل واضح في هذه الترجمة سواء كانت حرفية أو معنوية.
المثال الثاني: ما فعله (مارماديوك) مترجم القرآن إلى اللغة الإنكليزية في قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18] حيث ترجم كلمة (فيدمغه) بمعناها الأصلي وهو (فيشق رأسه) علما أن القرآن الكريم يستعملها في هذه الآية ويريد منها المعنى المجازي وهو (الغلب).
ويترجم قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] بمدلولها الأصلي، وهو جمع اليد إلى العنق وإطلاقها، فيقول: لا تجعل يدك مربوطة إلى رقبتك ولا تتركها من غير ربط، ولا شك أن التشويه والمسخ ظاهر في هذه الترجمات التي ما أريد بها وجه الله ولا هداية الناس.

.الفصل الثاني الفروق بين الترجمة والتفسير:

لقد مر معنا أن الترجمة هي: التعبير عن معنى كلام في لغة بكلام آخر من لغة أخرى مع الوفاء بجميع معانيه ومقاصده.
أما التفسير فهو لغة: الإيضاح والتبيين. واصطلاحا: علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
ومن هذين التعريفين لكل من الترجمة والتفسير، نتبين أن الترجمة سواء كانت حرفية أو معنوية- غير التفسير مطلقا- وسواء أكان بلغة الأصل، أم تفسيرا بغير لغة الأصل، وذلك من وجهين:
الأول:
الترجمة تعني: الإحاطة بمعنى الكلام وصبه في ألفاظ لغة أخرى، بينما التفسير يعني: تبيين وتوضيح معنى الكلام على حسب فهمه. وكأن المترجم يقول:
معنى هذا الكلام هو عين معنى الآية، بينما المفسر يقول: معنى هذا الكلام هو كذا...
الثاني:
وفي الترجمة اهتمام بالكلمة والأداة التعبيرية والصياغة، بينما في التفسير اهتمام بنقل المعنى القريب أو البعيد المقصود من الألفاظ.
ومع وضوح هذا التفريق بين الترجمة والتفسير، فإن الخلط أو الاشتباه وقع عند بعض الكتّاب بين الترجمة المعنوية، والتفسير بغير لغة الأصل، وقد ذكر فضيلة الأستاذ محمد عبد العظيم الزرقاني فروقا أربعة؛ لمنع وقوع أي اشتباه أو خلط في هذا الأمر، وهي:

.الفارق الأول:

أن صيغة الترجمة صيغة استقلالية يراعى فيها الاستغناء عن أصلها وحلولها محله، أما التفسير فإنه قائم أبدا على الارتباط بأصله، بأن يؤتى مثلا بالمفرد أو المركب، ثم يشرح شرحا متصلا به، ثم ينتقل إلى جزء آخر مفرد أو جملة، وهكذا من بداية التفسير إلى نهايته بحيث لا يمكن تجريد التفسير وقطع وشائج اتصاله بأصله مطلقا.

.الفارق الثاني:

أن الترجمة لا يجوز فيها الاستطراد، أما التفسير فيجوز بل يجب فيه الاستطراد. وذلك لأن الترجمة مفروض فيها أنها صورة مطابقة لأصلها حاكية له، فمن الأمانة أن تساويه بدقة من غير زيادة ولا نقص، حتى لو كان في الأصل خطأ لوجب أن يكون الخطأ عينه في الترجمة، بخلاف التفسير فإن المفروض فيه أنه بيان لأصله وتوضيح له. وقد يقتضي هذا البيان والإيضاح أن يذهب المفسر مذاهب شتى في الاستطراد توجيها لشرحه، أو تنويرا لمن يفسر لهم، ويظهر ذلك في شرح الألفاظ اللغوية، وخاصة إذا أريد بها غير ما وضعت له، وفي المواضع التي يتوقف فهمها على ذكر مصطلحات أو سوق أدلة أو بيان حكمة.

.الفارق الثالث:

أن الترجمة تتضمن- عرفا- دعوى الوفاء بجميع معاني الأصل ومقاصده، أما التفسير فإنه قائم على الإيضاح كما قلنا، سواء أكان هذا الإيضاح بطريق إجمالي أو تفصيلي. متناولا كافة المعاني والمقاصد أو مقتصرا على بعضها دون بعض طوعا للظروف التي يخضع لها المفسر ومن يفسر لهم.